بدت الفنانة اللبنانية مروة قرعوني سعيدة بوجودها في دمشق استعداداً لتقديم مسرحيتها “تفل قهوة” والتي ستبدأ عروضها مساء اليوم على خشبة مسرح القباني بدعوة من مديرية المسارح والموسيقا في وزارة الثقافة، وأكدت قرعوني في حوارها مع “البعث” أن عرض مسرحيتها المونودرامية “تفل قهوة” على خشبة مسرح القباني حلم وتحقق، ووجودها في دمشق لم يكن صدفة فقد كان لديها رغبة وإصرار على عرضها في دمشق منذ أن ولدت فكرتها.
مريم نحن
لم تطرق أبواب المسرح وتعتلي خشبته وهي القادمة من عالم السينما إلا لعشقها الكبير لأبي الفنون، مدركة أن تجربتها الأولى في المسرح كانت مغامرة لأن المونودراما نوع مسرحي صعب، وهي كانت تعرف ذلك قبل الإقدام على هذه الخطوة، إلا أن ذلك لم يؤثر على رغبتها في التحدي وخوض هذه التجربة لتكون خطوة أولى باتجاه خطوات أخرى قادمة ترغب في أن تخطوها من خلال هذا الفن “المونودراما” الأجمل والأحلى بالنسبة لها.. من هنا لم يأتِ عملها المسرحي الأول “تفل قهوة” اعتباطياً أو عفو الخاطر وموضوعه راسخ في ذهنها منذ 3 سنوات، وقد كان المسرح بالنسبة لها حلماً وقد تحقق جزء منه بفضل “تفل قهوة” المونودراما التي مالت إليها لأنها تجد فيها نوعاً مسرحياً حميميماً يستطيع الفنان البوح من خلاله.
وعلى الرغم من أن بطلة العمل امرأة تحكي عن همومها، ترفض قرعوني وصف ما تقدمه فيه بالدراما النسائية لأن “تفل قهوة” وإن كان يحكي عن مريم التي قررت ليس عن عبث أن تحبس نفسها بين أربعة جدران، إلا أنها نموذج لكل من قرر أن يكسر حاجز الصمت ويحكي عن كل ما في قلبه، وبالتالي فمريم هي نحن، هي الأسود والأبيض، لأنها تحكي عن المجتمع بشكل عام وليس عن المرأة بالتحديد وتتناول قضايا كبرى كالفساد والدين والسياسة، وكيف فضّلنا الدين على الله والسياسيين على الوطن والزواج على الحب. وتعترف قرعوني أن عملها مليء بالأفكار الجريئة التي لا تخشى من طرحها بطريقة فنية، في إشارة إلى أنها تتبنى هذه الأفكار في حياتها وهي ليست من الذين يعيشون ازدواجية فيها، فما تطرحه تتبناه وتدافع عنه لقناعتها أن من يريد أن يتحدث عن الفساد مثلاً يجب ألا يكون فاسداً.. وبالنسبة للدين تؤكد أنها ليست ضده، بل على العكس تماماً هي تدعو من خلال عملها لحب الله بدلاً من تقديس الدين كما يحصل اليوم في حياتنا، وتبيّن أنها اختارت بطلة “تفل قهوة” امرأة وليس رجلاً ليقول كل أفكارها، لأن المرأة بالنسبة لها رحم المجتمع الذي يمتلك العاطفة والعقل، ولأن هدفها ليس إطلاق النار ولا مواجهة الجمهور بطريقة عدائية.. وعن مفهومها للجرأة وهي المتهمة بأنها تقدم أعمالاً جريئة تفرّق قرعوني بين الجرأة والوقاحة، فالخيط بينهما برأيها رفيع جداً، والجرأة التي تسعى إليها هي على صعيد المضمون بطرح الأفكار الجريئة من خلال كسر تابوهات المجتمع والتعبير عنها بطريقة فنية تخدم ما يراد إيصاله، وإذا كانت الوسيلة الجريئة أسرع في إيصاله فلا ترى مانعاً من استخدامها طالما أنها غير مبتذلة، وحين سؤالها عن إن كان مازال في مجتمعاتنا تابوهات في ظل الانفتاح الكبير الذي نعيشه تجيب بلا تردد: “مازال هناك الكثير من التابوهات ومجتمعاتنا تعيش عصر انفلات لا الانفتاح في ظل غياب الوعي والثقافة”.
الكلمة للخشبة
نقلت قرعوني أفكارها في “تفل قهوة ” وعبرت عنها كتابةً مع الكاتب هيثم الطفيلي في جانب من النص، إلا أنها تعترف أنها ليست كاتبة ولا تملك القدرة –على الأقل اليوم- في أن تكتب نصاً مسرحياً كاملاً، خاصة وأن كتابة نص مونودرامي ليس أمراً سهلاً، وهي مازالت في بداية طريقها المسرحي، وما بين ما كان يجول في عقلها من أفكار وبين ما كتبه الكاتب وما حصل على الخشبة تقول: “الكلمة الأخيرة للخشبة، فما هو موجود في النص ليس ما هو موجود على الخشبة، لأنها الاختبار الحقيقي لفعالية ما هو موجود في العقل وفي أي نص مكتوب” ونوهت قرعوني إلى تبنيها “تفل قهوة” شكلاً ومضموناً، فالعمل يشبهها وأفكاره أفكارها، مؤكدة أن أي ممثل يجب أن يؤمن ويقتنع بما يقدمه وإلا فلن يستطيع أن يقنع الجمهور بما يطرحه، لذلك كانت مصرّة على خوض تجربتها التي تتبناها ولم تضع الفشل في بالها، رغم أنها لم تطمح للنجاح في أقصاه، فكل ما أرادته أن يرى عملها المسرحي الأول النور.
ولا تعتقد قرعوني أن المونودراما بحاجة لممثل خاص، وهي التي تؤمن أكثر أن الممثل سواء في المونودراما أو في أي عمل، يحتاج بالدرجة الأولى لموهبته وشغفه وحبه لما يقوم به لأن امتلاك القدرات الفنية العالية دون هذا الشغف للعمل لا يكون كافياً للنجاح، كما لا تخشى قرعوني من الانتقادات وهي التي تنجز عملها وتتوقع أي نقد، بل وعلى العكس تماماً هي تنتظر تلك الانتقادات والآراء المختلفة حول عملها، لترى ما لم ترَه، ولتسمع آراء مخالفة لآرائها قد تكون صحيحة ومفيدة لها في أعمالها الأخرى، وهي المقتنعة تماماً بأن الفنان يجب أن يستوعب كل ما قد يقال حول عمله وإذا كان غير قادر على فعل ذلك فليقدم العمل لنفسه فقط، لذلك وكمخرجة سينمائية تنفي محاولتها التدخل في عمل المخرج، وقد أدار دفة الإخراج المخرج د.هشام زين الدين وهي التي آمنت بضرورة أن يقوم كل طرف من أطراف العمل بدوره على أكمل وجه، انطلاقاً من إيمانها بالعمل الجماعي وعدم التفرد، وحاجتها لوجهات نظر مختلفة.
حجر في مياه راكدة
وتعرف قرعوني أن الجمهور المسرحي اليوم يعيش حالة انزياح باتجاه المسرح الكوميدي بحثاً عن عمل يفرح ويسعد في ظل الضغوطات الكبيرة التي نعيشها، فتشير إلى أن الجمهور تغير وباتت لديه متطلبات مختلفة عما كان يريده في فترة سابقة، ولذلك ترى أن الجمهور وطبيعة مزاجه يؤثر على نوعية الأعمال المقدمة له، حيث تتجه هذه الأعمال نحو تلبية رغباته لترى تسويقاً لها وهذا أمر أحياناً لا مفر منه، لأن الممثل في النهاية يعتاش من وراء عمله، إلا أن ذلك أيضاً لا يلغي وجود بعض الفنانين -وهي منهم- المصرين على تقديم ما يريدونه حتى ولو لم يتجاوب الجمهور معهم بالشكل المطلوب، لذلك لم يزعجها حضور عدد ليس بالكثير من الجمهور لـ “تفل قهوة” في لبنان وهي التجربة الأولى لها مسرحياً، وكان كل ما يعنيها أن يرى عملها النور وأن تصل رسائلها بالطريقة التي اختارتها، وتعترف أن ذلك لم يكن أمراً سهلاً، إلا أنها مقتنعة أنها رمت حجراً في مياه راكدة وقد أسعدها أن جمهوراً لا تعرفه تابع عروضها في بيروت بعيداً عن المعارف والأصدقاء والأقارب، كما أسعدها تشجيع ودعم نقابة الفنانين المحترفين برئاسة شادية زيتون وفنانين آخرين مثل عايدة صبرا وجوزيف نصار. وانطلاقاً من إيمانها بأن للمسرح رسالة كبيرة والأهم قدرته على التأثير وهذا ما يغريها فيه وتحاول فعله من خلاله، أي أن تؤثر بالناس بطريقة فنية راقية ولحبها الكبير له ولنجاح تجربتها الأولى تنوه قرعوني إلى أنها عادت لمقاعد الدراسة، فبعد دراستها للسينما وعملها في الإخراج – في جعبتها ثلاثة أفلام قصيرة نال معظمها جوائز عربية، بدأت منذ فترة قصيرة جداً دراستها للمسرح في كلية الفنون ببيروت لأنها لا تريد أن يكون عملها المسرحي الأول مجرد نزوة طارئة معلنة أنها بصدد التحضير لمونودراما أخرى في الأيام القادمة.
يُذكر أن العمل مستمر يومياً على مسرح القباني بدمشق الساعة 6 مساء حتى العشرين من الشهر الحالي.
أمينة عباس