عاجل
«إعادة تدوير» على مسرح القباني: التاريخ يعود كمذبحة سامر محمد إسماعيل 17-11-2015
«إعادة تدوير» على مسرح القباني: التاريخ يعود كمذبحة
سامر محمد إسماعيل 17-11-2015
سعدي أبو السعود، مدرّس التاريخ يقرر أن يترك مهنة التدريس والتفرغ نهائياً للعمل في القمامة مع صديقه «أبو النور»، فالحروب المتعاقبة التي شهدها الرجل جعلت منه خرقةً في مهب التجارب؛ سواء قبل اعتقاله في سجن «غونتاناموا» وخروجه منه بالزي البرتقالي؛ أو حتى بعد رحلته العجائبية التي يرويها المواطن السوري عن اعتراض رجال ما يسمى «تنظيم الدولة الإسلامية» له أثناء فراره من الحرب عبر الحدود السورية- التركية.
أحداث متتالية يرويها الفنان أسامة جنيد مؤلف مونودراما «إعادة تدوير، والتي قام بنفسه بأداء الدور الوحيد فيها بتوقيع من المخرج «سامي نوفل»؛ مقتربين في هذا العمل الذي أنتجه «نادي المسرح القومي» (وزارة الثقافة) من أسلوب «المونولوجيست» تارةً ومن عروض ال»One Man Show» تارةً أخرى التي حاول عبرها «جنيد» الإطلالة على واقع حروب معولمة جعلت من إنسان هذه المنطقة نهباً لهزائم نفسية عميقة، فلا تلتئم جراحات حرب حتى تطل حروب أخرى؛ تكوّم البشر في معلّبات للجثث المثلّجة.
مرافعة تبدو مطوّلة عبر «50 دقيقة»، زمن العرض الذي بدا شيقاً وحاراً عبر أداء «جنيد» إذ استطاع هذا الممثل أن يسيطر على جمهوره؛ وفق تلوين لافت في الأداء الصوتي والجسدي؛ مبتعداً عن الخطابة التي انتقدها في إشارة لاذعة لعروض المسرح الجاد فترة الثمانينات؛ مقارناً بين هذه العروض المتفاصحة وخطاب رجال «داعش» الذين يخبرونه عن «الخليفة» و «مكانه السري البعيد عن عيون القتلة والطائرات بلا طيار» باللغة العربية الفصحى.
مفارقة «الإرهاب» في عصر ما بعد الحداثة هو إذاً استعارة لغة بعض عروض المسرح القومي؛ كأن خشبية الخطاب الثقافي توازت في لحظة مريرة مع خطاب التطرف؛ كأن المسرح ولغته القاصرة عن الوصول إلى «الجماهير» جعلت من هذه الأخيرة أداةً في يد العنف الكوني الجديد؛ فالثقافة التي عجزت عن التأثير في الحشود؛ استعارت منبريتها العالية لتمثيل الغيب واستلام مقاليد السلطة السماوية على الأرض.
هجاء سياسي
إحالة لعبها العرض مستعيراً ثيمة مونودراما «الزبال» لكاتبها الراحل ممدوح عدوان؛ لكن في التوضيب المسرحي الجديد، استعان مخرج «إعادة تدوير» بشاشة عرض في عمق الخشبة، مستعرضاً صوراً فوتوغرافية ومقاطع فيديو لمبانٍ ومدن تختفي بضغطة صاروخ موجّه من طائرة حربية على إيقاع «البلوز» الأمريكي؛ لتشكل الشاشة مستوى آخر من اللعب على الفرجة المسرحية، وذلك عبر توليفها أكثر فأكثر مع لعب الممثل على الخشبة.
تبقى «إعادة التدوير» بمثابة هجاءً سياسياً لأمراء الحرب من أفغانستان مروراً بالعراق وسوريا ولبنان وفلسطين، وصولاً إلى اليمن وليبيا وسواها من البلاد التي يعيش اليوم إنسانها أقسى حالات التهجير والقتل العبثي واستباحة شخصيته الفريدة في صياغة المرح رغم الرؤوس المقطوعة؛ وبيع النساء في أسواق النخاسة الجديدة، فالعرض يمضي في فرضية ممثله الوحيد الذي ترك التاريخ؛ مثلما ترك «مدرّس الجغرافيا» في مسرحية سعد الله ونوس: «حفلة سمر من أجل خمسة حزيران» الطلاب «نياماً يضحكون»؛ فإذا جعلت الجغرافيا هؤلاء نياماً أمام خارطة الوطن بعد هزيمة 1967 هاهي تودعهم «مزبلة التاريخ» كي يعيدوا تدويره اليوم في زمن فيديوهات الذبح أمام الكاميرات.
(دمشق)