عاجل
جريدة الثورة جزيرة هوب..هوب إضاءات الثلاثاء 11-11-2014 سعد القاسم
جزيرة هوب..هوب
إضاءات
الثلاثاء 11-11-2014
سعد القاسم
عند المُراقِبة البيروقراطية التي تعمل على تسخير كل عمل إبداعي لخطاب ايديولوجي مباشر،وسطحي غالباً،و متعهد الحفلات المعني بأن لا يلقى العرض المسرحي الذي يريد اصطحابه إلى أميركا أدنى استياء هناك،عند هاتين الشخصيتين المختلفتين في الظاهر، المتماثلتين في الجوهر، يلتقي، ويفترق، عرضا«الجزيرة القرمزية»و «هوب..هوب » ..
«هوب..هوب » هو عنوان العرض المسرحي الذي بدأ على خشبة مسرح «الحمراء» منذ مطلع هذا الشهر، والمقرر أن يستمر - مبدئياً- حتى الخامس عشر منه.وقد أخرجه د. «عجاج سليم» بالاعتماد على نص اقتبسه الكاتب والناقد «جوان جان» عن مسرحية «الجزيرة القرمزية» التي ألفها الكاتب الروسي «ميخائيل بولغاكوف» أواخر عشرينات القرن الماضي، ليسخر عبرها من البيروقراطية الثقافية وأفقها الفكري الضيق.فما الذي أراد أن يسخر منه عرض«هوب..هوب»؟..
سبق للمخرج أن قدم مسرحية «الجزيرة القرمزية» كمشروع تخرج أول لطلاب المعهد العالي للفنون المسرحية عام 2007، ولقيت نجاحاً وتقديراً كبيرين، فاعتبرت بين العروض الأكثر تميزاً في تاريخ المعهد.و«الجزيرة القرمزية» مسرحية داخل مسرحية تقوم حبكتها على إلزام مخرج مسرحي لفرقته بتقديم (بروفة جنرال) أمام مراقبة العروض، قبل أن ينهي المؤلف نص المسرحية، ويتم الممثلون التدرب على أدوارهم، ذلك لأن المخرج بذل جهداً استثنائياً لإقناع المراقبة بحضور (البروفة) ولو في مشهدها الثالث،قبل أن تبدأ إجازة على البحر في اليوم التالي تستمر شهراً كاملاً،على أن يشرح لها المشهدين الأولين فيما بعد.
تدور الحكاية في (المسرحية الداخلية) على جزيرة نائية يقطنها سكان بسطاء يتعرضون لاستغلال التجار الأوربيين الذين يأخذون إنتاجهم من اللؤلؤ بأبخس الأثمان،ثم تتطور الأحداث إلى أن يعي السكان حقوقهم، ويصدون محاولة سفينة إنكليزية احتلال جزيرتهم.خلال هذه المشاهد تصل مراقبة العروض إلى المسرح لتفاجئ الجميع بقولها إن المسرحية غير قابلة للعرض، لأنه لا يجوز في الوقت الذي يحتفل فيه السكان بانتصارهم، أن يبقى البحارة الانكليز في العبودية!..فيسارع المخرج إلى تعديل الخاتمة بحيث يثور البحارة الانكليز على رؤسائهم الرأسماليين المغتصبين،ثم يعودون إلى الجزيرة لتوجيه التحية لسكانها، وليعدونهم بعدم الاعتداء عليهم مستقبلاً..
في«هوب..هوب » يحل متعهد الحفلات، الدخيل على عالم المسرح، محل مراقبة العروض، ويقوم بفرض التعديلات التي يريدها على المسرحية ضارباً بعرض الحائط اعتراضات المؤلف، بحيث يلغي من أحداث المسرحية أية إشارة يمكن أن تمثل إدانة للغزاة الغربيين،الذين يتحولون، بحكم تدخلاته، إلى سيّاح مسالمين محبين للخير. في النتيجة يحتفظ كلا العرضين بإدانتهما الخفية لتقييد حرية المؤلف (المبدع)، وتزييف الحقيقة، سواءً جاء هذا التقييد، والتزييف، من جهة ثقافية، أو من جهة استثمارية.. كما يحتفظ كلل منهما بنكهته الساخرة التهكمية. لكن «هوب..هوب» يذهب باتجاه المحلية في كامل تفاصيله، موسعاً دائرة سخريته لتشمل تفاصيل عدة تظهر أحياناً في عروضنا المسرحية، كالتصنع، والمبالغة في الأداء، وعدم المبالاة، وترداد (كليشهات) جاهزة، بل أن السخرية طالت (كلمة الوزارة) التي تنشر في مطوية(بروشور) كل عرض مسرحي، دون أي تغيير فيها..وبالمناسبة كنت قد اعترضت منذ خمسة عشر سنة على هذا الأمر، معتبراً أن كلمة الوزارة يجب أن تتغير مع كل عرض، وتقدم له، فتم تغيير الكلمة بثانية لا تزال هي ذاتها منذ ذلك الوقت..
نجح «عجاج سليم» بتوليفة من الممثلين المخضرمين، والخريجين حديثاً، في تقديم عرض رشيق ممتع ، والذين أكدوا بتفهمهم لأدوارهم، وحسن أدائهم لها ما قاله في التقديم من أن العرض كان نتاج ورشة عمل مفتوحة، ساهم فيه الممثلون في عملية صياغة أدوارهم وإخراجها.ومن جهته قدم د. «سمير أبو زينة» ديكوراً عصرياً من روح قرية بدائية، فيما جاءت موسيقا «سيمون مريش» منسجمة مع العرض، ومع الخصوصية الإبداعية لمؤلفها..
«هوب.. هوب » رغم مظهره البالغ السخرية ، عرض جاد جداً،وعميق جداً..