في اليوم العالمي للمسرح شهدت «منصة» القباني بدمشق جدالاً حامياً ونقاشاً ساخناً حول الإعلام والمسرح والعلاقة بينهما خلال ندوة دعت إليها مديرية المسارح والموسيقا بدمشق ارتفع فيها مستوى النقاش والجدل ليصل حد التشكيك والاتهام والاتهام المتبادل في روح بدت على درجة من «التشاؤمية» في نقل واقع حال وعلاقة «ملتبسة» بين المسرح والإعلام ونال الإعلام نصيبه الوافر من التقريع من الإعلاميين أنفسهم في حين دافع المسرحيون عن المسرح السوري ولمّعوا صورته وأعلوا من مكانته وأكدوا أن المسرح السوري بخير ويزخر بكوادر في التمثيل والكتابة والإخراج «تشرّف المسرح في الوطن العربي».
«تشريف وسوداوية»
عبارة «التشريف» يقولها هنا عماد جلول مدير المسارح والموسيقا الذي أشار إلى الكف عن «جلد الذات»، و»السوداوية» مشيراً إلى أن الحديث عن المسرح السوري يأتي دائماً من باب «مزمار الحي لا يطرب»، في وقت أن المسرح السوري يعمل - كما يقول- بإمكانات مادية ضئيلة على خلاف ما يجري في دول عربية «الإمارات» التي يكفي انتاج عرض مسرحي واحد فيها (مهرجان الشارقة) ليعادل أو يفوق إنتاج عروض مهرجان دمشق المسرحي كلها التي تصل إلى الـ12عرضاً، مبيناً إلى أن الإعلام شريك أساسي للمسرح ودونه لا نجاح في العمل المسرحي، مشيراً في الوقت ذاته إلى ضرورة أن يكون الإعلام «موضوعياً».
مغمور ومقهور غياب وحضور
الندوة التي أدارها الكاتب والناقد المسرحي جوان جان شهدت صدامات حادة بين مسرحيين وإعلاميين وصدامات فيما بين الإعلاميين أنفسهم في تبادل اتهامات ورمي الكرات في الملعب الآخر واستعرض فيها هشام كفارنة الفنان ومدير المسرح القومي جملة من العروض المتنوعة التي قُدمت خلال الأزمة، مشيراً إلى حجم المعاناة للمشتغلين في المسرح «المسرحي مغمور مقهور» يقول كفارنة الذي قرأ كلمة اليوم العالمي للمسرح ويؤكد أن على الإعلام أن يحتفي بالمسرح متوجهاً إلى الإعلاميين بالقول: «أنتم تغيبون طويلاً وعندما تأتون تقدمون انطباعات وتعودون إلى غيابكم».
في الحديث عن وسائل الإعلام وقع على التلفزيون السوري اللوم الأكبر لجهة التقصير وإدارة الظهر للمسرح – دون إغفال المطبوع- في أكثر من مداخلة ربما أكثرها صراحة مداخلة الإعلامي والناقد سامر إسماعيل الذي تمنى إلا تكون جلسة المشاركين الذين يفوق عددهم الجمهور على «المنصة» أشبه بـ«هيئة محلفين» وأن الأجدى أن يجلس الحضور والمشاركون على طاولة واحدة ما يجعل الحوار أغنى والنقاش أكثر جدوى، مشيراً إلى أن التلفزيون يتعاطى مع المسرح كما يفعل مع «حوادث السير» الفجائية «فجأة يعلم التلفزيون أن هناك عرضاً مسرحياً!!»
النوم في العسل
وتوقف إسماعيل عند تجربته مع التلفزيون كمسرحي وعرضه «ليلي داخلي» الذي مثّل سورية مسرحياً في أكثر من مهرجان ومنع عرضه التلفزيون السوري نفسه بعدما حدد للمشاهدين وعلى الشاشة توقيت عرض المسرحية ليعدل عن اعتزامه عرض المسرحية رقابياً ولم يسمح بالعرض كما يقول سامر إسماعيل الذي يرى أن التلفزيون السوري يعمل به أنصاف الموهوبين ولا يوجد فيه إعلاميون حقيقيون، وأن الشباب فيه «نايمين بالعسل» ولا يتابعون الحركة المسرحية كما ينبغي وكأنهم غير معنيين بالعروض، أما «النقد الجرائدي» فإنه يساهم برأي إسماعيل بتقديم انطباعات عن باستثناء كتّاب صحفيين قلة، مشيراً إلى أن معظم الزملاء يكتفون بـ«الاقتباس» «سانا» الوكالة السورية للأنباء التي يكتب سامر إسماعيل لمصلحتها مقالات نقدية عن العروض المسرحية.
وساطات وتخريب
الإعلام لم يتعامل مع المسرح كما ينبغي هذا ما يؤكده أيضاً الإعلامي والناقد داوود أبو شقرا الذي وجد في إقامة الندوة في مسرح القباني مبادرة تستحق التحية في اليوم العالمي للمسرح؛ المسرح الذي يحمل اسم أبي خليل القباني المؤسس والمجدد وغير التقليدي، ويرى أبو شقرا أن العلاقة «ملتبسة» بين الإعلام والمسرح، لافتاً بالإشارة إلى أن المسرح ولأنه (أبو الفنون) فإن على الإعلام أن يكون «بارّاً بوالده»، مؤكداً أن الإدارة الثقافية في التلفزيون بحاجة لوضع الخطط، مشيراً إلى خلل في البنية الإدارية يصل إلى حد المعاناة «قد يصل أحد ما بالوساطة إلى مكان ما ولكن عليه إلا يخرّب المكان»، وتوجّه أبو شقرا بالعتب واللوم على العاملين في مديرية المسارح والموسيقا «لم نجتمع مرة واحدة عبر برامج مع المسؤولين في المديرية ولا نراهم إلا في المهرجانات حيث تنتهي الورشة مع إسدال الستارة على آخر عرض» الأمر الذي أثار حفيظة مدير المسرح القومي هشام كفارنة «على الإعلام أن يأتي إلى المسرحيين وليس العكس».
شخصنة وصدام.. والأردأ
ويشير أبو شقرا إلى خلل متراكم في المتابعة الإعلامية للمسرح «الناس تفهم المسرح أنه دريد لحّام وعادل إمام لأن الفضائيات لا تعرض لسعد الله ونوس وفواز الساجر وسواهما»، متسائلاً لماذا يتم الاكتفاء بـ«موسم مسرحي واحد»»؛ الأمر الذي أثار مجدداً حفيظة كفارنة الذي يرى أن «المقايسات» في العروض هنا في سورية ومصر غير جائزة وأن «موضة» المواسم المسرحية بُطلت منذ عشر سنوات وأن العروض السورية مستمرة على مدار العام، وأن الفضائية السورية قدمت أغلب العروض على عكس ما كان سائداً منذ سنوات حيث توضع أشرطة العروض المصوّرة في الأدراج وتُشكّل لجان لبث عروض دون غيرها وبشيئ من الفساد لأسباب شخصية، أما المسرح المصري فهو برأي كفارنة «أردأ مسرح وأن السوريين متقدمون على المصريين بعشرات الكيلو مترات» وتوجّه كفارنة لأبي شقرا الذي يعد برنامجاً في التلفزيون السوري «من تستضيف ببرنامجك» السؤال أو شكل الحوار الذي رأى فيه أبو شقرا خروجاً عن «المنطقية» ودخولاً في « الشخصنة» و«الأفكار الصدامية» في وقت يفترض أبو شقرا أن الإعلاميين والمسرحيين «فريق واحد» وأن الأجدى في الندوة لو أنها دعت أصحاب القرار الإعلامي لتشكل ورقة ضغط تنصف الإعلام والمسرح، وشدد أبو شقرا على ضرورة وضع خطة وطنية مشتركة بين وزارتي الإعلام والثقافة للاهتمام بالعروض المسرحية وخاصة لجهة حضور الجمهور على غرار ما يحدث في مصر التي تشهد العروض فيها إقبالاً كبيراً بفضل الإعلام، متسائلاً عن غياب خريجي قسم النقد في المعهد العالي الذي كان من المفترض أن يشكل حضورهم النقدي أثراً هو الأهم عربياً ودفعاً كبيراً للحركة المسرحية.
ثلاثة أرباع
الفنانة المسرحية أمانة والي وفي مداخلة لها رأت أن العلاقة بين وزارة الإعلام والمسرح غير صحيحة وأن هناك معاناة لجهة «البيروقراطية» وأن المسرح بحاجة إلى جمهور وهذا دور الإعلام «ثلاثة أرباع العاملين في وزارة الإعلام لا يعرفون المسرح والربع الذي يعرف لا يغطي إلا مهرجانات»، داعية إلى إعادة النظر في العلاقة بين الإعلام والمسرح وتشكيلها حتى يأخذ المسرح نصيبه من الإعلام، وأسفت والي كيف أن الإعلانات الطرقية للعروض المسرحية لا توضع أثناء العروض، وأبدت والي تفاؤلها في قادم الأيام بآلية تعاطي جديدة مع المسرح على خلفية ما تمر به البلاد وإلا «حرام نكون محسوبين على المسرح» مشيرة إلى أن كل من وضع اصبعاً في مسرح أو قال كلمة بحقه في هذه الظروف هو محط تقدير شديد، وشاطرها الرأي هشام كفارنة الذي أكد أن الأزمة أثرت على المسرح «لن ندفن رأسنا كالنعامة»، ونقول إنها لم تؤثر» لافتاً إلى أن المسرح استطاع البقاء والوقوف وتقديم العروض حتى «في المدن التي تشهد أحداثاً أكثر سخونة من غيرها».
شاشة وجنازة
وأشار المسرحي مأمون الخطيب إلى وجود طرق وسبل كثيرة للعم ل التشاركي بين وسائل الإعلام والمسرحيين أولها بث العروض المسرحية كاملة على شاشة التلفاز. الإعلامية سلوى عباس استعرضت معاناة الافتقاد إلى محررين متخصصين في المسرح، وأن محررين يذهبون إلى العروض ليعودوا بأخبار فقط ولا يقومون بتقديم مقالات نقدية لضعف التخصص ما جعل الصحافة تبتعد عما يفترض ما لها من دور، كذلك فإن عدداً من المسرحيين لا يتجاوبون مع الصحافة ما يولد ردات فعل لدى بعض الصحفيين في الانكفاء، ولفتت عباس إلى المحسوبيات والوساطات التي أفرزت محررين صحفيين أبعد ما يكونون عن الاهتمام بالثقافة والعمل الإبداعي وخاصة المسرح.
الفنان والمخرج مأمون الخطيب وصف العلاقة بين الإعلام والمسرح بـ«غيرالمتكافئة» وأن المسرح لم يلق الاهتمام الكافي على غرار الدراما السورية التي جاء الاهتمام بها بـ«توجه سياسي» وما يحدث برأي الخطيب أن الإعلام عندما يذهب إلى المسرح كمن يذهب إلى «جنازة»، مشيراً إلى أن غياب النقد أسهم في غياب المسرح، متسائلاً أين المسرحيات التي يعرضها التلفزيون؟ واصفاً المقالات عن العروض بأنها مجرد وظيفية استكتابية، مشيراً إلى أن المسرح في سورية يعامل كـ«فن لقيط».
كلمة اليوم العالمي للمسرح المسرحى
بيرت بيلي «جنوب إفريقيا»
تّحت الأشجار في صغريات القرى، بل في مسارح المدائن عالية التقنية، وفى قاعات المدارس، وفى الحقول والمعابد، في أحياء الفقراء وفى قصور المدن، وفى السراديب الداخلية وفى مراكز الأقليات، فإن الناس ينجذبون بعضهم إلى بعض متجمعين حول عوالم مسرحية نقيمها نحن لنعبّر عن تشابكاتنا الإنسانية، وعن تعدّدنا، عن جراحاتنا، عن أجسادنا الحية وأنفاسنا وأصواتنا. نلتئم لننتحب ونتذكر، نضحك ونتألم، نتعلم ونقرّ ونتخيل، ننظر البراعة التقنية ونشخص عن الآلهة؛ لنلتقط نفسنا المشترك من قدرتنا على الجمال والشفقة والوحشية.
نأتي لنتزود بالطاقة لنستطيع أن نتمكن من الاحتفال بالثراء في مختلف ثقافاتنا، ولنبدّد الحدود التي تباعد بيننا. أينما وجدت مجموعة من البشر، فإن روح العرض المسرحية سوف تظهر، تولدها الجماعة واضعة أقنعتها ولابسة أزياء بعدد تقاليدنا، بل تواشج ما بين لغاتنا وإيقاعاتنا وإيماءاتنا، وتفسح لها مكانة بيننا. أما نحن، أهل المسرح الذين نعمل بهذه الروح الخالدة، فنشعر باضطرارنا لأن تسلك «الروح» عبر أفئدتنا حتى يمكن لأفكارنا وأجسادنا أن تفصح عن واقعنا في دنيويّته وفي لمعانه السديمي الغامض.
ولكن، في هذا العصر الذي تناضل فيه الملايين العديدة من البشر لأجل البقاء، وتعانى تحت نير أنظمة قمعية ورأسمالية ضارية، فإنها لتشعر بالصراعات والشدائد، وأن خصوصياتنا مخترقة بالوكالات السرية والاستخبارات، وأن كلماتنا تتمّ مراقبتها بوساطة حكومات متعسفة؛ بل إن الأحراش لتتمّ إبادتها، والأنواع تمحق، والبحار تسمّم؛ فما الذي سنضطر نحن للكشف عنه؟
في هذا العالم غير متكافئ القوى، والذي تحاول فيه قوى بطش متعدّدة أن تقنعنا أنّا أمة واحدة، جنساً واحداً، نوعاً واحداً، أو تفضيلاً جنسياً، ديناً واحداً، أيديولوجية واحدة، أو إطارا ثقافيا واحدا هو الأعلى والمعلّى على غيره؛ فهل هو دفاع الحق، ولا شيء غيره، أن نشدّد على أن الفنون لا يجب البتة أن تُفصم عن روابطها الاجتماعية؟
هل لنا نحن أهل فنون المسارح والحلبات، وفقا لمهامنا المطهرة من السوقية، ونحن الذين نقبض على القوى التي نمتلكها، هل لنا أن نفسح لنا مكانة في قلوب مجتمعاتنا وعقولها، لنجمع الناس حولنا، لنلهم ونسحر ونعلّم ونبدع عالما من الأمل، وتعاونا بمحبة فيما بيننا..؟!».